مقال رأي منشور في جريد الغد الأردنية في 14 أيلول/ سبتمبر بمناسبة انعقاد "أسبوع الغابات في الشرق الأدنى" في الأردن بتنظيم من FAO
رزان أكرم زعيتر
رئيسة الهيئة الإدارية للعربية لحماية الطبيعة
مؤسِسة الشبكة العربية للسيادة على الغذاء
عضو اللجنة الفرعية للقضاء على الجوع في المنطقة العربية
جاءت دعوة أسبوع الغابات في الشرق الأدنى الذي دعت له هيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى العربية لحماية الطبيعة كمتحدث في النسخة الخامسة من الفعالية التي عقدت أعمالها في الأردن، ونحن نحتفل هذا العام بذكرى التأسيس العشرين.
عبر هذه الأعوام، كان نضالنا دائماً نحو سيادة الشعوب على غذائها ومواردها الطبيعية في الأردن وفلسطين وكافة الوطن العربي وذلك عبر دعم صغار المزارعين. عملنا في الميدان عبر ثلاثة برامج، الأول والثاني لزراعة الأشجار في الأردن وفلسطين حيث تمكنا من زراعة مليوني وتسعمئة ألف شجرة استفاد منها أكثر 39 ألف مزارع يعيلون ما يزيد عن ربع مليون فرد. أما برنامجنا الثالث فيهدف للتأثير على السياسات الزراعية عالمياً واقليمياً ومحلياً، وقد نجحنا عبر نضال دام 7 أعوام في أروقة الأمم المتحدة، وخاصة منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة FAO، في وضع أنظمة الغذاء المحلية وموضوع الحروب والصراعات والاحتلال ضمن الأولويات في المداولات والسياسات بعد أن كان موضوع الصراعات محرّماً تداوله.
واقليمياً عملنا من خلال عضويتنا في اللجنة الفرعية للقضاء على الجوع في جامعة الدول العربية، والشبكة العربية للسادة على الغذاء التي أسسناها، نجحنا في إدراج الأمن الغذائي والتكامل العربي لتحقيقه، وإيقاف الحروب البينية كأولوية قصوى لتحقيق السيادة الغذائية. كما رحبت الجامعة العربية بمبادرتنا "طريق الشجر العربي" المشتركة مع منظمة الفاو والتي نأمل أن يستمر الدفع لإنجازها.
دار الحديث بشكل كبير عن زراعة الأشجار الحرجية ودورها بالتكيف مع تأثيرات التغير المناخي، ووجدتها مناسبة لتقديم خبرة منظمتنا الطويلة في هذا المجال، التي جمعت ما بين الزراعة والبيئة وفق نهج تنموي مستدام وحقيقي وقابل للتنفيذ، وعن أهم ما تعلمناه وما نأمل بأن يتحقق من خلال خبرتنا الطويلة هذه في زراعة الأشجار.
قدمنا رؤيتنا عن الحراج الزراعي وبدايةً أكدنا أن الغياب الكبير لاستراتيجيات تشاركية مدروسة لزراعة الأشجار وبالتالي خطط عملية تشاركية يعد أمراً مؤسفاً ويجرنا إلى قرارات ارتجالية غير متكاملة. إن الشراكة المطلوبة التي تشمل القطاعيين العام والخاص والمجتمع المدني والأكاديمي تبدأ من وضع الأولويات ثم الاستراتيجيات وصولاً إلى وضع المعايير وآليات التنفيذ انتهاء بالمراقبة المستمرة والمحاسبة وليس فقط في مرحلة التنفيذ.
كما أشرت في حديثي إلى أنها لم ولن تنجح عمليات التحريج الزراعي إذا لم تُشرك المجتمعات المحلية في مشاريع التحريج ليس كشركاء اسميين، بل كمنفذين وكمستفيدين. وهذا يقودنا للنقطة الثانية الفائقة في أهميتيها وخطورتها وهي اشتراط الممول الدولي المؤسف على الجمعيات زراعة الأشجار الحرجية غير المثمرة وأن تكون "بلا غايات استثمارية" أي لا فوائد اقتصادية.
بنظرنا أن للأشجار فوائد عظيمة بيئية واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وروحية معاً؛ فمن منا لا يخشع عند سماع الآية الكريمة " وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ"، أو الحديث الشريف " ما من مسلمٍ يغرسُ غرساً أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلاَّ كان له به صدقة".
إن زراعة أشجار حرجية مثمرة كالخروب والبلوط والبطم والصنوبر المثمر يمكن أن يضيف إلى فائدة التقليل من الانبعاثات فوائد جمة في الأمن الغذائي والعلف الحيواني والصناعات الدوائية وبالتالي لها مساهمة مضاعفة في التكيف المنشود.
في حي صغير من أفقر أحياء محيط مدينة جرش تجتمع بعض النسوة سنوياً لجني أكواز الصنوبر المثمر Pinus pinea لتحسين دخلهن. المحزن هنا أن معظم غابات الأردن مزروعة بالصنوبر غير المثمر Pinus halepensis الذي لو كان مثمراً لشكل دخلاً هاماً كما يحصل حالياً في لبنان مثلاً.
وبشكل عام نقول إن أخطر ما ينادي به مهندسو القمم المناخية والتي كثيراً ما نراها تفتقر للعدالة هو ضرورة تقليص حجم الزراعة في دول الجنوب كأحد الحلول الهامة بنظرهم لتقليص نسبة انبعاثات الكربون من هذا القطاع بدل التركيز على البدء بحل المشكلة في دولهم وفي القطاعات الأكثر تأثيراُ في المناخ خاصة عبر برامج التعويض Compensation، ويعد الوطن العربي من أكثر المتضررين من هذه الرؤية المجحفة التي تنكر حقنا بالسيادة على غذائنا.
نحن نحتاج إلى عدالة مناخية بحيث يُنظر إلى مسألة التغير المناخي كقضية ليست بيئية فقط، بل سياسية وأخلاقية لها علاقة بالمساواة وحقوق الانسان والحقوق الجماعية ومنها الحق في التنمية المستدامة لجميع سكان هذا الكوكب.